مجنون المدينة

ارتدى الرجل بدلته القديمة الباهتة اللون وانتعل حذائه الخاكي البالي ثم أخرج مشطًا خشبيًا من جيب سترته ووقف أمام مرآة قديمة مكسورة تشكو من إطارها المتصدّع.

وضع مشطه في كوب الماء ومشّط به شعره. لا زوجة، لا ولد، لا عائلة. لقد كان لوحده بالمطلق.

في الحقيقة لم يكن أحد في المدينة يطيقه ولم يكن أحد يأتي عنده سوى محامي والده الراحل وذلك بعد موسم حصاد القمح ليدفع له حصته من الحصاد. كان يأخذ الأموال ويضعها في الصندوق الذي لا يعلم أحد عن مكانه إلا هو. كان يستخدم المال الذي يحصل عليه من عمله في شراء الخردة والأشياء التي أوصاه بها القرويون. كان يتاجر على حد تعبيره ويلقبه جميع الجوار بالمجنون.

 الجميع يعني الجميع كانوا يقولون هذا وبالطبع لم يكونوا يقولون هذا عبثاً.  فعمله أشبه بعمل المجانين. كان في كل مرة يشتري معدات بمقدار عشرة إلى اثنتا عشرة ليرة ويرميها في كيس سرج دراجته.

 كان يمشي في القرى. وفي كل مرة كان يحين دور إحدى القرى المجاورة كان يعرفه القرويين من بعيد وما إن يرى أولاد القرية السمجين دراجته التي يرتفع منها الغبار يركضون في القرية ويصرخون بلهجتهم المحلية: «جاء مجنون المدينة» ویخبرون الجميع.

وقبل أن یصل القریة كان يجتمع كل مَن في القرية ويحضرون إليه كل ما لديهم من البيض المكسور والدجاج المريض والحليب وبقايا الفاكهة والجوز واللوز العفن.

 قام بتمشيط شعره بهدوء ثم أعاد مشطه إلى جيب سترته ومضى. لم يكن يتعب من ركوب الدراجة.

 كانت قد مرت ساعة على شروق الشمس حين وصل القرية. ركضت امرأة إليه وقالت: «هل أحضرت فانوسي؟». أخرج الرجل الفانوس الذي اشتراه بلیرة واحدة من كيس السرج. أخذت المرأة بعض البيض من أختها وأعطتها لها. فقالت أختها بهدوء شديد: «هذه البيضات لا تساوي سوى عدة قروش». ضربت المرأة ذراع أختها بمرفقها وقالت: «هذا الرجل مجنون لا يفهم شيئًا».

 وكان أحد السكان قد أحضر له الجبن وآخر الزبيب. مع حلول الظهر، جاء جميع السكان وأخذوا حاجياتهم كمصباح والسكر والشاي ومسحوق قتل الحشرات والصابون ومعقم.

كان هناك أشخاص طيبين ومنصفين لكن حين كان يعود في الظهيرة كان يجد أن كل ما في جيبه كان يساوي أقل من ليرتين إلى ثلاثة.

 كان غروب الشمس عندما وصل إلى المنزل. قام بتنظيف الأشياء المفيدة التي كانت في كيس السرج وأخذها إلى الدكان الموجود في نهاية الشارع وقال: «أعطها لمن يحتاجها».

 استمرت قصة «مجنون المدينة» لسنوات ومات ولم يقم له أحد مراسم ختمية.

 لكن ضوء الفانوس وحلويات السكر وبقايا مواد التعقيم والصابون بقيت ذكراها في القرى.

 

الکاتب: مهدی میرعظیمی

ترجمة: د. میساء جبر

کتاباً صفحویاً



   نظرات
دیدگاه های ارسال شده توسط شما، پس از تایید مدیر سایت در وب سایت منتشر خواهد شد.
پیام هایی که حاوی تهمت یا افترا باشد منتشر نخواهد شد.
پیام هایی که به غیر از زبان فارسی یا غیر مرتبط با خبر باشد منتشر نخواهد شد.