العود

نظرتُ لتجعيدات جبينه ويديه ثم عدتُ وحدّقتُ بعينيه الرحيمتين ونظراته العميقة. قطفَ تفاحة من الشجرة وغسلها وأعطاني إياها. ثم أخرج من جيبه منديلاً قماشيّاً نظيفاً وفتحه. وكذلك سكيناً مطوية لمع ضوئها في عيني حين فتحها وقال: «خذها وقسّم التفاحة، ليس فيها ما يُرمى بعيداً؛ هذه التفاحة جوهرة بكل ما فيها.» كان يقول الحقيقة فالتفاح الأحمر دائماً يلمع كالياقوت. غسل ورقة جوز عريضة ووضعها أمامي وقال: «تفضل، هذا صحن.» انشلغتُ بالتفاحة. قال العجوز: «هل تعلم أنكم أنتم ساكني المدينة تظنّون أنَّ الحصول على الماء أمرٌ سهل ورخيص. تجلسون في منازلكم مرتاحين وكلما فتحتم الصنبور تحصلون على ماء نظيف نقي. حين تريدون الاستحمام لايخطر ببالكم أنكم في كل دقيقة تقومون باستهلاك أربعين إلى خمسين لتر ماء. أحياناً تظنون أنَّ الصحة تكون بهدر الكثير من الماء. حين ستقلُّ كمية الماء خلف هذا السد لن يبقَ تفاح وقتها وستضطرون لتناول التفاح المستورَد الخالي من الطعم والرائحة.» ضحكَ وتابعَ: «هذا إن استطعتم الحصول عليه!»

قطّعتُ التفاحة لأربعة أقسام وصففتها داخل ورقة الجوز واستبعدتُ منها اللب والقشر. رفعتُ رأسي وقلت بثقة: «سنأكل الأقسام هذه سويّاً، نعطي القشر للدجاجة والديك واللب إما أن نزرع بذوره أو يأكله الطير.

بهذه الطريقة لن يكون فيها أي قسم حرام.» حكَّ وجهه وقال بلهجة محلية: «أين العود؟» كنتُ أعلم أنهم باللهجة المحلية يقولون للخشبة عُود أو عُودة وتعني الخشبة الصغيرة جداً! لكني لم أفهم قصده من الخشبة. حين رأى استغرابي أفهمني بالإشارة أن قصده من العود هو نفسه خشبة التفاحة الصغيرة.

التقطتُ العود على الفور من عن الأرض وضحكتُ وقلتُ: «والدي العزيز، هذا هو العود. في الحقيقة هذا العود لا ينفع في أي شيء لهذا رميته بعيداً.» رمى العجوز العود داخل الماء ثم وضعه في كف يده وتحدَّث معه بهدوء: «اعذرنا أننا ننساك دائماً. وكأن هذه التفاحة المفعمة والمليئة بالماء لم تنبت كل ذرة فيها بسببك! وكأن وجود هذه التفاحة بالكامل ليس متعلقاً بك!»

تأثّرتُ. نظرَ إليّ. كان قد غطى عينيه طبقة رقيقة من الدمع. ابتلع الغصة التي كانت في حلقه وقال: «هل تعلم أنت من هو عود حياتك؟ هل تعرف شخص يفكّر بعود حياته؟ ثم أنَّك تظنُّ نفسكَ أنَّك من أصحاب الكمال، فرميتَ العود، فويلٌ لحال البقية!»

أشار لمجرى ماء صغير يدخل منه الماء للحديقة وقال: «شبر الماء هذا، هو عود عدة هكتارات من الحدائق. الأب والأم والمعلم ورجل الإطفاء والشرطي وعامل النظافة والممرض كلهم هم عود المجتمع. بدون هذا الماء يجف الحقل وبدون أولئك الناس يهوي المجتمع.»

أعطاني العود وسحب الصندوق وبدأ بصفّ التفاحات، وبينما يقوم بصفّ التفاحات داخل الصندوق قال: «حين تذهب للمنزل ألقي نظرة على عدّاد الماء فهو عود منزلكم ومضافتكم ورفاهكم وسكينتكم هناك.»

 

الکاتب: مهدی میرعظیمی

ترجمة: د. میساء جبر

کتاباً صفحویاً



   نظرات
دیدگاه های ارسال شده توسط شما، پس از تایید مدیر سایت در وب سایت منتشر خواهد شد.
پیام هایی که حاوی تهمت یا افترا باشد منتشر نخواهد شد.
پیام هایی که به غیر از زبان فارسی یا غیر مرتبط با خبر باشد منتشر نخواهد شد.