الرجل القش

تبدو امرأة قوية. يظهر على وجهها هدوء وطمأنينة خاصة. من الواضح أنها خبيرة بعملها. لم يصل الدور لي بعد.

كانت المرأة تتتبّع أعمدة الدفتر بالقلم من الأعلى إلى الأسفل بينما كان قد جلس شابين أمام طاولتها. وبين الحين والآخر تقوم بعمليات حسابية بالآلة الحاسبة. وضعت قلمها داخل الدفتر وأغلقته ثم وضعت يدها تحت ذقنها وأخذت تنظر للشابين من أعلى نظارتها وبقيت ساكتة بعض الشيء. أخرجت أنفاسها التي حبستها في صدرها وقالت: «نادوا على شريككم لأحكي لكم قصة»

خرج أحد الشابين من الغرفة وعاد مع الرجل الآخر. جلسوا. قالت السيدة وهي لا تزال بنفس الوضعية بحيث تنظر لهم من أعلى النظارة: «تسابق عدد من الشبان مع بعضهم ليروا أي منهم الأقوى.  فأحضروا قربة[1] الزيت وأخذوا يعصرونها بالترتيب. كان من المقرر أن آخر شخص يستخرج آخر قطرة زيت من القربة سيكون الفائز. أصبحت القربة فارغة ومهما حاولوا ضغطها لم يعد يخرج الزيت منها. مرَّ في هذه الأثناء عجوز نحيل وهزيل. ناداه أحد الشبان محاولاً استغفاله وقال؛ والدي العزيز تعال وشارك معنا في المسابقة. سأل العجوز ماهو نوع المسابقة؟ قال الشاب قمنا جميعاً ببذل كامل جهدنا لنستخرج آخر قطرة زيت من القربة. أنت بطل تعال وجرّب.

ارتسمت على شفاه الشاب ضحكة مليئة بالشقاوة والمسخرة المبطّنة. أدرك العجوز أن عليه أن يخرج من هذه المسابقة مرفوع الرأس. وضع عصاه تحت إبطه وأمسك القربة بيده. أدخل أصابعه بهدوء شديد أسفل عقدة القربة وجعل منها أسطوانة وضغط عليها من الأسفل متجهاً نحو عنق القربة. أخرج منها مايقارب نصف كأس من الزيت. انبهت الشبّان ولم يصدقوا أنَّ العجوز النحيل الهزيل قد تمكّن من استخراج كل هذا الزيت من القربة.»

نهضت السيدة من مكانها وأدارت المكّيف  والتفتت إلينا وسألت: «هل تعرفون لماذا نجح العجوز؟» كنا جميعاً عاجزين عن الجواب. قالت: «لأنه كان موظف متقاعد في الشؤون الضريبية» وضحكت.

نحن أيضاً ضحكنا. تابعت كلامها مع الشباب: «أنا كمرشدة لكم سأقول لكن بأنكم قمتم بتزوير وثائقكم وأحضرتم معلومات غير حقيقية. هل بالفعل تعتقدون أن موظف ذو خبرة بشؤون الضرائب لايمكنه أن يفهم هذا؟ سأتغافل عن هذا ريثما تقومون بتجهيز الوثائق والثبوتيات الحقيقية لأكمل الملف الجبائي وأقدّمه».

سألتُها بعد ذهاب الشباب: «كيف عرفتي أنَّ الوثائق غير حقيقية؟» رفعت السيدة  قلمها وقالت: «هل تعلم كم قلماً أفرغتُ حبره؟» ضحكتْ وتابعتْ: «الأرقام رفاقنا ونحن نتحدث معاً ولا شك بأنَّ حساب المحاسبين والجباة منفصل عن البقية. لو تسأل محاسباً امتطى فرسه كم عدد أيدي وأرجل حصانك يقوم أولاً بالنظر للحصان ويترجّل وينظر للأطراف بدقة ويقول أربعة.» ضحكنا. تابعتْ: «أنا مجرد مستشارة عادية ويمكنني تمييز الكذب من الصدق. برأيك موظف متمكّن ذو خبرة سيصعب عليه فهم هذا؟ كن مطمئناً لو يكون أساس تعاملنا هو المصداقية ما اختلط الحابل بالنابل وسيصل الحق لصاحبه.»

 

[1]- القربة هي وعاء أو كيس من جلد الماعز أو البقر لاحتواء السوائل.

 

الکاتب: مهدی میرعظیمی

ترجمة: د. میساء جبر

کتاباً صفحویاً



   نظرات
دیدگاه های ارسال شده توسط شما، پس از تایید مدیر سایت در وب سایت منتشر خواهد شد.
پیام هایی که حاوی تهمت یا افترا باشد منتشر نخواهد شد.
پیام هایی که به غیر از زبان فارسی یا غیر مرتبط با خبر باشد منتشر نخواهد شد.